الإثنين 17 نيسان , 2023 03:08

لهذه الأسباب اندلع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

المجلس الانتقالي السوداني

يتصاعد التوتر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ يوم السبت 15 نيسان أبريل عندما اندلعت اشتباكات عنيفة في العاصمة الخرطوم وأماكن أخرى بسبب محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مواقع استراتيجية في الخرطوم، بما في ذلك القصر الرئاسي، ومطار مَرَوي، والتلفزيون الرسمي السوداني. وهو الأمر الذي ينذر بحرب أهلية تقضي على ما تبقى من السودان، نظرًا لما يملك الطرفان من إمكانات.

الواقع أن هذا الصراع لم يكن مفاجئًا أبدًا. وعلى الرغم من كل الوساطات التي بذلتها أطراف داخلية وخارجية، إلا أن المواجهة انفجرت في الميدان بعد أيام قليلة من انتهاء المهلة الدستورية لدمج قوات الدعم السريع بالجيش السوداني في 6 أبريل نيسان الجاري، وذلك تحضيرًا لإقامة سلطة مدنية تؤدي إلى انتخابات تفرز حكومة مدنية. يمكن القول إنّ ما يحصل اليوم داخل السودان هو انقلاب داخل انقلاب، ويمكن فهم جذور المشكلة من خلال التالي:

الجيش وقوات الدعم السريع ينقلبان على البشير

في مثل هذه الأيام من العام 2019، سقط نظام عمر البشير بمساندة من الجيش وقوات الدعم السريع التي أنشأ البشير بنفسه، كنوع من الحرس لرئاسي لحمايته من أي انقلاب متوقع. إلا أن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ "حميدتي"، كان له طموحًا أكبر من قائد قوات حماية البشير. فقرر الانضمام إلى الاحتجاجات الشعبية. ثم اقتضت مصلحة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحميدتي أن يقفا معًا ضدّ الذهاب مباشرة الى انتخابات، وضدّ القوى المدنية التي تظاهرت مطالبةً بحكومة مدنية فورية. وقادا معًا الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك في 25 تشرين الأول 2021. ووضعوه تحت الإقامة الجبرية وسرحوا كل المسؤولين المدنيين في المجلس العسكري وحلوا الحكومة وأعلنوا أحكام الطوارئ.

تشكيل الاتفاق الإطاري

إلا أن المجتمع الدولي والرأي العام الداخلي انقلب عليهما، فاضطر البرهان للتراجع وأعاد عبد الله حمدوك الذي استقال لاحقًا في 22 كانون الثاني 2022 بسبب صعوبة العمل مع الانقسامات في السودان حيث الجميع منقسمٌ على بعضه. هنا بدأت حكومة انتقالية عسكرية في السودان مؤلفة من الجيش وقوات الدعم السريع بالإضافة إلى قوى مدنية وافقت على الانضمام. وفي نهاية العام 2022 توصّلوا إلى صيغة وهي بمثابة خارطة طريق للوصول إلى دولة مدنية مستقرة، عرفت باسم الاتفاق الاطاري في 5 كانون الأول ديسمبر، وقع عليه كلاهما بالإضافة إلى 40 حزبًا، وعارضه أحزاب كثيرة أخرى.

بارك المجتمع الدولي والأطراف الإقليمية الاتفاق الإطاري في احتفالية كبيرة، ضم بنود تشبه الأسس التي تقوم عليها دساتير الدول التي تعتمد الديموقراطية كأساس للحكم، ومن هذه البنود:

- إقامة سلطة مدنية كاملة دون مشاركة القوات العسكرية.

- تنظيم عملية انتخابية شاملة في نهاية الفترة الانتقالية.

- تحديد الفترة الانتقالية ب 24 شهر من تاريخ تعيين رئيس مدني يترأس حكومة انتقالية.

- تفكيك نظام البشير في كل مؤسسات الدولة.

- استرداد الأموال والأصول المتحصل عليها بطرق غير شرعية.

- تأسيس جيش قومي وطني موحد وهذا يقتضي توحيد الدعم السريع وميليشيات أخرى. وهو البند الذي أوصل الخلاف إلى ذروته بين القوتين.

الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع

 كان حميدتي مرفوضًا من الجنرالات في الجيش الكلاسيكي، لأنهم رأوا أنه يمهّد لأمر أكبر بكثير من قوات الدعم السريع، وأن لديه الرغبة بالسيطرة على السودان، وأن الدعم السريع لن يكون الا الرديف العسكري ليصل إلى الحكم، وهو رجل لديه شركات اقتصادية كبيرة ايضًا تمثل له رافد اقتصادي. ولديه توجه لتأسيس حزب سياسي أو الانضمام إلى قوى مدنية، وبالتالي، مع جناحين عسكري وسياسي، بالإضافة إلى النفوذ الاقتصادي، بات الطريق ممهدًا له للوصول إلى أعلى سلطة خاصة بوجود حلفاء خارجيين: إماراتي وسعودي على إثر مساندتهم في الحرب على اليمن، وبرز كسياسي رشيق يسافر عبر القرن الإفريقي والشرق الأوسط للقاء القادة وتطوير علاقات وثيقة مع موسكو. وحاول تصوير نفسه على أنه رجل كل شخص يدافع عن "المناطق المهمشة" في السودان.

حميدتي يرفض تطبيق بنود الاتفاق الإطاري

الاتفاق الإطاري وضع جدولا زمنيا ينتهي ب 11 أبريل نيسان الماضي باختيار رئيس وزراء يقود حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية لمدة 24 شهر، وكان من المفروض أن يكون الاتفاق على مسألة دمج عملية رسم الخطوط الأساسية للقوات المسلحة قد تم، ولكن الطرفان وقعا على الدمج ولكنهما اختلفا على كل التفاصيل.

وبما أن الفترة الانتقالية استمرت سنتان، كان موقف الجيش أن تستمرّ دمج القوات سنتان أيضًا. وذلك من خلال:

- إيقاف عمليات التجنيد لقوات الدعم السريع.

- هناك عدد من الضباط من الجيش ألحقوا بقوات الدعم السريع عندما أصبحت جزءً من القوى المسلحة، فيتمّ إعادتهم بنفس رتبهم إلى القوات المسلحة، وأما من تبقى من الضباط والأفراد، فينضمون الى الجيش بعد إعادة النظر برتبهم.

إلا أن حميدتي رفض هذه التصوّرات وأراد أن ينضمّ الضباط والجنود بنفس رتبهم وأن يستمر التجنيد مفتوحًا، وطالب بفترة أطول لتتم عملية الدمج تتجاوز 10 سنوات، وهو ما رفضته قوات الجيش تمامًا وقوى سياسية أخرى. وهذا يعني أن حميدتي يناور لأجل كسب المزيد من القوة والنفوذ.

مواجهة مفتوحة

يتوقع المحللون أن تنتهي المواجهة لصالح الجيش في وقت سريع، خاصة في ظلّ انشغال القوى الكبرى في حروبها الخاصة، لكن ثمة صراعات كان متوقعًا لها أن تنتهي بسرعة إلا  أنها أخذت وقتا أكثر بكثير، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بنتائج هذا الصراع.


الكاتب: زينب عقيل




روزنامة المحور